نوال الزغبي متمسّكة بجحيم الوطن وكل أبواب الجنّة مفتوحة أمامها
كلماتها تعكس ضمير الفنانين الوطنيين الذين لا يهربون من معركة ناسهم وأوجاعهم
“هيدا البلد ما رح نتركوا! رح يرجع متل ما كان وأحسن! هيدا البلد من حق كل شخص تعب وجاهد فيه وعلليلوا اسمو بالعالي ! واللي نهبوه ودمروه وذلوه أكيد ما بينتموا إلو !!لان لبنان بس للوطنيين واصحاب الحق والكرامة…”
بهذه الكلمات غردت نوال الزغبي عبر حسابها على “تويتر”.
هذه الكلمات عداد صمود، يترافق مع الوجع الذي نقاسيه أمام محطات البنزين لساعات. وبانتظار أن تنجلي العتمة ويضيء التيار الكهربائي. وبانتظار أن نجد الدواء والحليب، وبانتظار أن يوقفوا خطابات العنترة ونحن ننحدر في الضحالة.
هذه الكلمات تأتي كالأمل والأقدار السوداء تلعب في لبنان. فكل من استطاع أن يحمل حقيبته ويغادر حملها على عجل دون أسف ورحل. فنانون غادروا واناس عاديون غادروا وكثر يتمنون المغادرة فالعيش في جهنم ليس سهلاً.
لكن نوال تحمل جواز سفر كندي ويمكن أن تترك هذه اللعنة التي نعيشها وتغادر إلا أنها لن تفعل. هذا خيارها أن تبقى هنا، تسير مع ناسها وتبكي لبكائهم وتعيش عتمتهم وتصرخ كي يفكوا هذه الحبال عن أعناقهم.
فنانون كثر حباهم الله بالكثير من خيراته غادروا إلى أقرب بقعة أمنة واستقروا فيها هرباً من هذا الكابوس، وتمتعوا بالإقامة الذهبية وتباركوا بنعمة الأمن وأطلقوا فنهم من هناك. لكن نوال لم يهن عليها شعبها، فرضيت بالمقسوم المرّ ولم تستنجد برحيل، وبقيت هنا مؤمنة أن هذه البلاد لنا وسترجع أفضل مما كانت.
الكلام ثياب والمواقف جبال. وكلام نوال أجمل ثوب للتفاؤل وأكبر من مواقف الرجال .تذكرنا بالسيدة فيروز التي رفضت مغادرة لبنان أثناء الحرب بالرغم من إصابة منزلها بصاروخ، ورفضت الغناء لسنوات حتى لا يقال أنها تنتمي لهذا الحزب أو هذه المنطقة، وعندما عادت فيروز غنت لكل الوطن ومن ساحة الشهداء عام 1994 معلنة انتهاء الحرب وعودة الوطن الى كل أبنائه بدون شرقية وغربية.
قد يؤخذ على نوال وسواها من الفنانين أنهم يتحدّثون عن قضايا الوطن والمجتمع والسياسة، وأنّ على اهتمامهم أن يصبّ حول فنهم وخصوصياتهم فحسب. لهؤلاء لا وطن بلا فن، ولا سياسة ولا مجتمع بدون إنسان. والفنان هو الإنسان الأوّل في بناء الوطن. ونحن إن كنّا نؤمن بأن لبنان سيتعافى فذلك بفضل شجاعة مثقفيه وفنانيه. فهم طلائع الروح الجديدة وهم المناضلون ضد الطغمة الفاسدة، وهم صوت الفأس ضد فريسي الهيكل، وهم زاد الحماسة والصمود في وجه اليأس. هم الشجاعة وسط الصعلكة وهم النبل في حقل الوحل.
نوال الزغبي بكلامها تعكس ضمير كل الفنانين الوطنيين الذين لا يهربون من معركة ناسهم وأوجاعهم، بل يقفون إلى جانبهم يشدون أزرهم في الصعاب. ويغنون لصبرهم ويحثونهم على التفاؤل. إنهم الحب وسط هذا الجحيم. وعندما قالت نوال كلمتها لم تقلها لنفسها بل قالتها للجميع لأنها تدرك أن كلامها له صدى في المقلب الآخر، وسيسمعه كل منتظر عند مفارق الأمل.